المرأة: ظلمتها الأمثال وأنصفتها الشريعة
"المرأة أفعى ومتحزمة بإبليس"..!!
"يا ويل من أعطى سِرَّه لمراته.. يا طول عذابه وشتاته" مثل مصري.
"بنتك لا تعلمها حروف، ولا تسكنها غروف" مثل تونسي.
"اللي بتموت وليته من صفاية نيته" مثل فلسطيني.
"البنات همُّن للممات" مثل لبناني.
"المرأة أفعى ومتحزمة بإبليس" مثل مغربي.
"الرجل الحكيم هو الذي يختار المرأة بأذنيه لا بعينيه" مثل ايطالي
"السيف والزوجة لا تثق بأحدهما على الإطلاق" مثل ألماني.
"إن الله يحرس زوجة الأعمى؛ لأن المسكين لا يرصد خطواتها" مثل هندي.
الشيطان أستاذ الرجل وتلميذ المرأة" مثل ياباني.
"من ملك إمرأة فقد ملك ثعباناً" مثل إنجليزي.
"من تزوج جميلة؛ فقد تزوج ورطة" مثل أوروبي.
من العرب للغرب
هذه مجموعة من الأمثال الشعبية التي تَخُصُّ المرأة لدى مختلف شعوب العالم، والتي تعكس نظرة المجتمع للمرأة، وقارئ هذه الأمثال يلاحظ أن صورة المرأة في الأمثال الشعبية العربية لا تختلف كثيراً عن صورتها في الأمثال الغربية، فهي لا تَقِلُّ بشاعة وقسوة عن الأمثال التي تنتشر في البلدان النامية، وهذا يوضِّح لنا أن هذه الأمثال التي تسيء للمرأة ليست حِكْرَاً على المجتمعات العربية، بل هي ظاهرة عامة في كافة المجتمعات، تعبر في مجملها عن النظرة الدونية التي تنظر بها هذه المجتمعات إليها، بصرف النظر عن مدى تَقَدُّمِ هذه المجتمعات أو تَخَلُّفِاَ، وعن الأوضاع التي تعيشها المرأة في هذه المجتمعات، أو المكانة التي وصلت إليها.
والمثل الشعبي هو تلخيص لتجربةٍ ما مرَّ بها الإنسان عبر حياته، ثم تداولها الناس وعبَّروا بها عن مواقف مشابهة؛ فسارت بينهم على أنها بمثابة صورة يمكن تكرار حدوثها عبر الأجيال، وتُعَدُّ الأمثال مِحْوَراً من محاور التعبير عن رؤية الإنسان للوجود، بما في ذلك تفسيره لمعطيات الكون من حوله، على اعتبار أن هذه الأمثال هي محاولة فكرية لتجريد الواقع إلى مطلق؛ بهدف كشف المضمون من خلال مقولة موجزة ذات صيغة لغوية مجرَّدة، تعتمد على موقف الإنسان من الوجود، وتنطلق من تصوره للحياة ورؤيته للعالم من حوله.
صورة سلبية
وتلاحق الأمثله السلبية هذه المرأة منذ ولادتها حتى وفاتها، فهناك الكثير من الأمثال التي تعبِّر عن رفض الأنثى، والتمييز بينها وبين الذكر، منها: "صوت حية ولا صوت بنية"، "لما قالوا لي: ولد؛ اشتد ظهري واستند، ولما قالوا لي: بنت؛ انهدت الحيطة علي"، ويظهر التمييز في أبشع صوره في المثل الذي يميز في المعاملة بين المرأة التي تنجب ذكراً والتي تنجب أنثى، "بطن جاب الولداني أطعموه لحم الضاني، بطن جاب البنية اضربوه بالعصية، وأطعموه لحم بايت ولا تقولوش خطية"وهناك بعض الأمثال الشعبية التي أَلغت دور المرأة في المجتمع، واعتبرته ترفاً لا يليق بالمرأة، وهناك أمثال لا تُشجِّع على تعليم المرأة، منها: "لا تقرِّي بنتك ولا تندم ع العاقبة"، في حين أنها أبرزت أهمية أدوار المرأة الأخرى؛ كالإنجاب، والأعمال المنزلية، "المرة لو طلعت عالمريخ آخرتها للطبيخ كما حذَّرت بعض الأمثال الرجل من المرأة، وأظهرتها ناقصة عقل ودين، ووصفتها بأنها هوائية تنجرف وراء عواطفها، وهناك بعض الأمثال الشعبية التي سلبت من المرأة حرِّيَّتها "اكسر للبت ضلع يطلعلها أربعة وعشرين ولم تقتصر الأمثال الشعبية التي قيلت في حق المرأة على وصف الصفات السيئة، ولكن هناك بعض الأمثال التي أثنت عليها ووصفت جمالها، إلا أنها قليلة جداً، حيث وصفت المرأة النشيطة التي تجيد عملها المنزلي "المرأة الشاطرة تقضي حاجتها، والخايبة تنده جارتها" والمرأة خفيفة الدم "اللى مرأته مفرفشة يرجع البيت من العشا"، ووصفت المرأة الجميلة، وحثت الرجال على طلبها: "إن عشقت اعشق قمر، وإن سرقت اسرق جمل"، وأفضل النماذج النسائية التي ذكرتها الأمثال: "أدب المرأة مذهبها لا ذهبها".
الأم.. استثناء
والمرأة احتلَّت النصيب الأكبر من هذه الأمثال العربية القديمة، الفصيح منها والشعبي على مختلف مواقعها: أخت، زوجة، ابنة، وحماة، وأم؛ مما يدلُّ على أهميتها باعتبارها شخصية محورية مرتبطة بمعطيات الحياة ارتباطًا قويًا، ولا يوجد الرجل بيولوجياً بدونها، ورغم أنَّ معظم الأمثال تقدم صورة سلبيَّة للمرأة، إلا أنَّ الأم كانت استثناء، فإشارة إلى أهمية وجود الأم في حياة كل منا، هناك مثل يقول:
"اللي ما عنده أم حاله يغُم".
وأشارت الباحثة الهولندية "مينيكة شيبر" في كتابها "النساء في أمثال الشعوب.. إياك والزواج من كبيرة القدمين" -التي جمعت فيه الأمثال التي تشير حرفياً إلى النساء، إضافة إلى الأمثال التي تشير إلى الجنس الأنثوي منذ البداية، والذي ضمَّ أكثر من (15) ألف مثل شعبي من نحو (278) لغة مختلفة تتناول صفات النساء الجسدية والجمالية كلها، ومراحل حياتهن كافة (الابنة، والعروس، والزوجة والزوجة الثانية، والأم، والحماة، والأرملة، والجدة)- إلى التجني الذي يقع على المرأة، والتي تشير إليه أغلب الأمثلة التي جمعتها، بخلاف الامهات التي استثنتهن الأمثال، ووضعتهن موضع الحبيب
بالدراسات.. المرأة مظلومة
الصورة السلبية التي كرَّستها الأمثال الشعبية أثبتتها الدراسات التي قامت بتحليل الأمثال الشعبية التي تناولت المرأة، والتي أوضحت أن عدد الأمثال الشعبية الفلسطينية التي تناولت المرأة بالذمِّ كانت نسبتها (82.5%) من مجموع الأمثال التي تمَّ تحليلها، وعدد الأمثال الشعبية المصرية التي تسيئ للمرأة (33.2%)، واعتبر الباحث "محمد الميّ" في كتابه "صورة المرأة في الأمثال الشعبية التونسية" أنَّ أغلب الأمثال العامية التونسية بشأن المرأة ظالمة، وأكدت الكاتبة المغربية "منية بِل عافية" في كتابها: "المرأة في الأمثال المغربية" أنَّ الأمثال رسمت للمرأة المغربية صورة سلبية، وأشارت "إيلين ديب خزّاقة" في كتابها: "الأنثى في المثل" إلى أنَّ هناك تناقضاً في مضمون الأمثال الشعبية اللبنانية التي تعتبر الفتاة ذكية حيناً، وتحتقرها حيناً آخر.
وفي السياق ذاته أوضحت الدراسة التي أجرتها جامعة الملك عبد العزيز بالسعودية أنَّ الأمثال الشعبية المتوارثة ساعدت على ترسيخ ثقافة ذكورية تظلم المرأة، وأشارت إلى أنَّ الرجل عمل على مر العصور على تمييز نفسه عن المرأة، واتخذ مكانة لا يسمح للمرأة بالوصول إليها، وأصبح المجتمع ينظر إلى الفتاة باعتبارها وعاء للإنجاب، ومصدراً للفتنة والعذاب .
بدورهم أكَّد علماء الاجتماع على أنَّ هذه الأمثال وراء تكريس النظرة الدونية للمرأة وتبعيتها للرجل، والاختلاف في النوع الاجتماعي لصالح الرجل حصراً، حيث غلب عليها السخرية من المرأة ودعمها؛ للاختلاف النوعي الأعمى بين الطرفين، وعدم الثقة بها، وأشاروا إلى أنَّ هناك بعض الأمثال التي تدعو لممارسة العنف ضد المرأة، "المرأة مثل السجادة ما بتنضف إلا بالخبط"، وهذا ما يعطي دلالة واضحة على مكانة المرأة المتدنية في المجتمع، ومؤشر على عدم الاستقلالية.
مخالف للشريعة
ومما لا شكَّ فيه: أنَّ هذه الأمثال تتناقض مع تعاليم الدين الإسلامي؛ فالإسلام رفع من شأن المرأة، وأكرمها بما لم يُكرمها به دين سواه، ولنا في الأحاديث النبوية قدوة حسنة، والأحاديث في هذا الشأن كثيرة، منها:
"الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة" .. "خير نسائكم التي إذا نظر إليها زوجها سرَّته، وإن أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها؛ حفظته في نفسها وماله" .. "استوصوا بالنساء خيراً" .. "إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهُنَّ إلا لئيم".وهذه هي منزلة المرأة في الإسلام، فمن شِيَمِهَا: العفة، والمودة، والرحمة.. إلى غير ذلك من المعاني الجميلة السامية التي لا تعرفها الحضارة المعاصرة التي تنظر للمرأة نظرة دونية ومادية بحتة؛ لذا علينا أن نعيد النظر في مثل هذه الأمثال التي تَمَسُّ أمهاتنا وبناتنا وأخواتنا وزوجاتنا، والعمل على إحياء الأمثال الشعبية التي ترفع من شأن المرأة، وتحفظ لها مكانتها، ولا يكون هذا إلا باتباع المنهج الاسلامي الذي يُكْرِمُ المرأة ويحترمها، فالمرأة تمثِّل نصف المجتمع، وهي مُحَرِّكٌ رئيسي لثقافته واتجاهاته؛ بما تقوم به من دور فعَّال في المجتمع المحيط بها.
راااق لي