عن شريح القاضي قال:دخلت إلى مسجد النبي- صل الله عليه وسلم-وصليت العشاء ثم انصرفت ، فإذا أنا برجل مصفر الوجه ، يقول باكيا:إلهي وسيدي ومولاي لمقامع الحديد خلقت أعضائي أم لشرب الحميم خلقت أمعائي ، سيدي ومولاي لو طالبتني بذنوبي طالبتك بعفوك، ولو حبستني مع الخاطئين لأخبرتهم بجودك وكرمك، سيدي إن الحسنات لتسرك ، والسيئات لا تضرك،فهبني ما يسرك ،واعف عني ما لا يضرك ، يا أرحم الراحمين ...
فنظرت فإذا هو الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما..
[b]وهنا لنا مع هذه المناجاة وقفات:-
أولها:- حب سيدنا الحسين للمكث في المسجد النبوي فلم يؤسس له محرابا خاصا بل جلس بالمسجد شأنه شأن أي مسلم.
ثانيها:- تواضع سيدنا الحسين فلم يحط نفسه بحرس أو جند أو أتباع وهو يناجي ربه بالمسجد.
ثالثها:- توحيد سيدنا الحسين وأدبه مع الله، فلم يتوسل إلى الله بقرابته من الرسول أو بأمه الزهراء أو بأعماله رضي الله عنه،إنما يتوسل إلى الله بعفوه وكرمه وأسمائه وصفاته .
رابعها:- حسن ظن سيدنا الحسين رضي الله عنه بالله فتأمله معي وهو يناجي الله بقوله:"لو حبستني مع الخاطئين لأخبرتهم بجودك وكرمك " ..تأمل حبه العظيم لله سبحانه وتعالى..
خامسها:- خشوعه وخوفه من الله فقد وصفه شريح القاضي بأنه مصفر الوجه باك..
سادسا:- تأمل قول سيدنا الحسين:"لو طالبتني بذنوبي" وهو اعتراف صريح منه بأنه غير معصوم وأنه يذنب حاله كحال بقية البشر..مع علو قدره ورفعة منزلته رضي الله عنه وأرضاه..
سابعا:- ثم تأمل توقيت الدعاء والتضرع فقد اختار سيدنا الحسين وقت الليل بعد العشاء حيث الظلام وحيث لا يعرفه أحد ، وهذا ديدن الصالحين ودأب الأوابين التخفي تحت جنح الظلام مبالغة في الاخفاء حتى لا يتسرب إلى أعمالهم شيء من الرياء أو يكون في عبادتهم حظ للنفس أو لنظر الخلق بل الاخلاص التام ،وكأني أرى سيدي الحسين ممتثلا لقوله تعالى :"وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء"...
مااجمل صفات سيدنا الحسين وما أحوجنا لمثل هذه الأخلاق في زمان طغت فيه الماديات علينا،فسلام عليك يا سيدي ورزقنا الله إخلاصا كإخلاصك وإخباتا كإخباتك يا ريحانة رسول الله..
، اللهم احشرنا في زمرة سيدنا الحسين وآبائه وأحباب آبائه.. اللهم آمين..
[/b]