تربويون متخصصون يطالبون بإعادة الحياة له …
من الحقائق الراسخة التي أفرزتها الدراسات الميدانية الحديثة ، والتي أجريت في مواقع عدة من العالم ؛ أكدت بما لا يحتمل الشك أو التأويل بان مادة التربية الفنية ( بتفرعاتها كافة ) لا تقل أهميةً عن بقية المقررات الدراسية التي يتلقاها التلاميذ
على مختلف مراحلهم الدراسية إبتداء من رياض الأطفال وإنتهاء بالمدارس الإعدادية ؛ بل أن معظم الباحثين المختصين بهذا الجانب يرون في هذه المادة كونها ركنا أساسيا في العملية التربوية ، ومهمة جدا في تنمية الجوانب الإدراكية والمعرفية لدى التلميذ إضافة لإبراز الجوانب الفنية وتنمية الذائقة لدى النشئ الجديد ..
لكن عندنا ؛ فما زال الأمر يختلف كلياً ، فالكثير من إدارات المدارس ماضية في اعتقادها بان مادة التربية الفنية ما هي إلا مقرر ثانوي .. أو أنها ( محشورة ) بلا مبرر ضمن جدول الدروس .. و هذا الاعتقاد ليس وليد اليوم بل هو عبارة عن ترسب موغل في القدم ، لكننا لم نلتفت إليه للآن ..
تلاميذنا يقولون
في معرض حديثنا مع عدد من التلاميذ بشان هذه القضية ؛ جاءتنا مثل هذه الآراء :
يقول التلميذ أكرم سعيد ( أول متوسط ) : لم أر مدرس مادة التربية الفنية منذ أن التحقت بالمتوسطة ، و غالبا ما يكون درس الرسم ( فراغ ) نقضيه في معاونة مدير المدرسة بالمهام التي يريد منا أن ننجزها للمدرسة .. ويضيف باسم شفيق (رابع عام ) : سمعنا عن مرسم المدرسة ، ولكننا لم ندخله ولو مرة واحدة ، ولم يهتم أحد من المدرسين بمادة الرسم ، بل يحاول المدرس المتأخر بمادته كان يكون مدرس الفيزياء ، أو اللغة الإنكليزية بإستغلال درس الرسم لكي يعطينا درساً إضافياً .. ومن جهتي أحب الرسم ولكني لم أجد من يأخذ بيدي ..
للتربويين معاناتهم ايضاً
ومن المؤكد أن لمدرسي هذه المادة رأيهم هم ايضاً ؛ اذ أن المعلم أو مدرس الرسم هو أحد طرفي هذه القضية ، يعقب الفنان عضيد طارق ( مسؤول الشعبة التشكيلية) في مديرية النشاط المدرسي في تربية نينوى بقوله : كل ما تفضل به تلاميذنا هو صحيح مئة بالمئة ؛ بل هو بعض من معاناتنا نحن كمدرسين لمادة التربية الفنية ، أو الرسم ؛ ففي محافظة نينوى توجد نحو 1332 مدرسة تقريباً ما بين إبتدائية وإعدادية ومهنية ، وهي كلها تحتاج لكادر ضخم من المشرفين الفنيين لكي يتابعوا عملهم فيما يخص مادة التربية الفنية ؛ في حين أن عدد مشرفينا هو ثلاثة فقط ..؟؟
ولكم أن تتخيلوا أية متابعة يمكن أن تتابع وسط هذا العدد البسيط .. وأوكد أن مثل هذه الحالة هي حالة عامة في كافة محافظات العراق ؛ إذ أن وزارة التربية لا نعرف لم لا تعطي إهتماماً بهذه المادة أسوة ببقية المواد الدراسية ؛ حيث نرى أن الوزارة الموقرة تقوم بتوفير احتياجات المدارس من مواد مختبرية ومستلزمات دراسية في حين أنها لم توفر القدر البسيط من إحتياجات مدرسيّ التربية الفنية ..!!
ويكمل : إزاء هذا الإهمال و ( التهميش ) المتعمد ربما، كان متوقعا أن تنمو مثل هذه المعاناة لتصبح إشكالية تواجهنا كمختصين ، ونعتقد مجتمعين إننا في هذه الطريقة ، وإذا ما إستمرت نكون قد أعلنا عن قتل حاسة التذوق الفني لدى النشئ الجديد ، لتشاع أمية الإحساس بالجمال والموجودات لدى تلاميذنا الذين يريدون منا أن نمنحهم معرفة وهم يستحقون ذلك .. نحن نرى أن حصة واحدة في الأسبوع لمادة التربية الفنية لا تكفي لكي نصنع إنسانا مبدعاً .. متذوقاً لفنه .. معطاء، قادرا على التفاعل بحيوية مع محيطه ؛ فكيف هي الحال إذا كانت الحصة الواحدة قد صودرت من قبل مدرسين آخرين يودون إكمال مقرراتهم الدراسية على حسابنا نحن .. ؟؟ .. و بتقديري أن الخروج من هذا الطوق يكمن في إعادة النظر على كافة المستويات بخصوص مادة التربية الفنية ، وأن يصار إلى الاهتمام بمراسم المدارس ، وإفساح المجال للطاقات الفنية المتميزة لكي تأخذ فرصها في التعيين من اجل خلق أرضية جيدة تستقطب الطاقات الواعدة الذين سيكونون بالتأكيد قادة الفن التشكيلي في العراق بعد سنوات قلائل ، و ما إلى ذلك من تكريم المتميزين من الواعدين وزجهم في منافسات عديدة ، وإعطاء المشرفين الفنيين دورهم الحقيقي في متابعة هذه المادة